في إطار إثبات السوريين أنهم أقوى من الموت ومن الحرب ومن الدمار، وفي خضم التحديات التي يواجهها المشهد الثقافي السوري، تظهر مبادرات دائمًا تسعى لإعادة إحياء الحركة الفكرية والأدبية وتقديم منصات آمنة للإبداع.
في هذا السياق يأتي تأسيس مركز “قلم سوريا” (PEN Syria) كخطوةَ نوعية ومهمة، ليشكل إضافة حيوية للإنتاج الثقافي وحرية الإبداع في سوريا، من خلال الانضمام إلى منظمة “القلم الدولية” (PEN International)، وهي شبكة عالمية من الكتّاب والأدباء تأسست عام 1921 بهدف تعزيز حرية التعبير والدفاع عن حقوق الكتّاب في مختلف أنحاء العالم.
تجمع المنظمة، التي تضم أكثر من 150 مركزًا في أكثر من 100 دولة من دول العالم، بين الأدب والعمل الحقوقي، إذ تدعم الحوار الثقافي وتشجّع على تبادل الأفكار بين الشعوب، كما تسعى لحماية المبدعين الذين يتعرضون للاضطهاد أو الرقابة. وتبرز أهميتها في دورها المستمر في صون حرية الكلمة، والدفاع عن القيم الإنسانية، وتعزيز التفاهم والسلام من خلال الأدب والفكر.
تأسيس “قلم سوريا”
نشأت فكرة تأسيس المركز قبل حوالي ثلاث سنوات، وكان الدافع الأساس لها هو غياب تمثيل سوري ضمن شبكة “القلم الدولية” العالمية. عندها بدأت مجموعة صغيرة من الكتاب والمبدعين السوريين التواصل مع المنظمة بتشجيع ومساعدة ناشطة سورية كانت تعمل مع المنظمة التي رحبت بالفكرة.
بحسب السكرتير العام لـ”قلم سوريا” الروائي، أنور السباعي، انطلقت الفكرة تحت اسم “مبادرة قلم سوريا في المنفى” (PEN Syria in Exile Aspiring)، وذلك انسجامًا مع قواعد “القلم الدولية” التي تفرض أن يبدأ أي مركز جديد بصفة ” Aspiring Center”. كان طموح المبادرة منذ اليوم الأول نيل المركز اعترافًا رسميًا من المنظمة الدولية ليمثل الكاتبات والكتاب السوريين من داخل سوريا وخارجها.
وبعد سقوط النظام البائد تغير الاسم إلى “قلم سوريا”، ولم يعد مقتصرًا على المنفى، ونظّم أعضاء من المجموعة التأسيسية ندوة عامة في دمشق للتعريف بالمبادرة، حضرها مجموعة من الكاتبات والكتاب والصحفيات والصحفيين المهتمين، وانضم عدد منهم إلى المبادرة.
الرسالة والتحديات
فيما يتعلق برسالة المركز، يؤكد السباعي أنها مستمدة من ميثاق “القلم الدولية”، وتشمل بشكل رئيسي:
الدفاع عن حرية التعبير والكتابة بأشكالها كافة.
حماية الكاتبات والكتاب من الملاحقة والاضطهاد بسبب آرائهم.
تعزيز الحوار الثقافي والتعددية الفكرية في المجتمع السوري، وبين السوريين وثقافات العالم المختلفة.
المساهمة في بناء مجتمع حر وديمقراطي عبر الثقافة والفكر الحر.
واجه المركز في المراحل الأولى من التأسيس جملة من الصعوبات، كان من أبرزها جمع الكاتبات والكتاب السوريين المتوزعين في المنافي والدول المختلفة، وإقناعهم بأهمية وجود مركز سوري ضمن هذه الشبكة الدولية، ثم الإجراءات التنظيمية والقانونية الخاصة بالحصول على الاعتراف الرسمي، حيث يشترط ألا تقل المجموعة التأسيسية عن 20 شخصًا.
ورغم ذلك استطاع العاملون على المبادرة أن يضمّوا إلى المجموعة التأسيسية أكثر من 40 كاتبة وكاتبًا وصحفية وصحفيًا ينشطون في مجالات إبداعية متنوعة، ويعبّرون عن طيف واسع من التنوع الثقافي السوري، وجرى انتخاب مجلس إدارة يقود عمل المركز لمتابعة التنسيق مع “القلم الدولية”، مثل إعداد الوثائق اللازمة والإجراءات المطلوبة ليكون ملف المبادرة جاهزًا للعرض على التصويت في المؤتمر السنوي للمنظمة الدولية حسب الأصول.
وفي النهاية تكلّلت الجهود الحثيثة لمجلس الإدارة في الحصول على العضوية الرسمية في شبكة “القلم الدولية”، وذلك خلال المؤتمر السنوي الـ91، الذي عُقد في مدينة كراكوف البولندية، مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري.
المشاريع والمبادرات
حتى لحظة الاعتراف بالمركز كان التركيز على متطلبات التأسيس، وفهم آليات العمل، من خلال التواصل المكثف مع المسؤولين عن المراكز الناشئة في “القلم الدولية”، والمشاركة الفعالة في أنشطة المنظمة، حيث كانت مشاركة المبادرة بصفة مراقب في مؤتمر المنظمة العام الماضي في أكسفورد بالمملكة المتحدة خطوة أولى مهمة لإيصال صوت الكتاب السوريين، فكان الحضور السوري الأول كمبادرة جماعية، وليس مشاركة فردية كما جرى في بعض المناسبات. وكانت فرصة للتعريف بالمبادرة، وبناء شبكة تواصل مع العديد من مراكز المنظمة حول العالم.
يؤكد السكرتير العام للمركز أن مركز “قلم سوريا” مفتوح لجميع الكاتبات والكتاب والمبدعات والمبدعين، وكذلك المترجمات والمترجمين، بغض النظر عن الجنسية. فالفكرة هي خلق فضاء ثقافي عالمي حر، يتقاطع فيه الإنتاج الثقافي السوري مع ثقافات وتجارب مختلفة، انسجامًا مع روح شبكة “القلم الدولية” التي تقوم على التعددية والتنوع والتضامن.
الخطط المستقبلية
يضع مؤسسو المركز مجموعة من الخطط المستقبلية لتطوير عمل المركز، وزيادة تأثيره أبرزها:
إطلاق برامج لدعم النشر والترجمة.
تنظيم ورشات ثقافية وندوات أدبية داخل سوريا وفي دول الشتات.
التعاون مع مراكز “القلم الدولية” الأخرى لتعزيز الحضور السوري في المحافل الثقافية الدولية.
إنشاء منصة رقمية لنشر أعمال الكاتبات والكتاب والتعريف بهم.
العمل على استصدار التراخيص اللازمة لعمل ومشاريع المركز داخل سوريا.
أما بالنسبة لأبرز الصعوبات التي تواجه المركز حاليًا فهي:
محدودية التمويل والموارد.
صعوبة التواصل وتنظيم الأنشطة داخل سوريا بسبب الظروف الأمنية والسياسية العامة.
الحاجة إلى تطوير البنية التنظيمية المؤسسية للمركز، حيث أن ظروف التأسيس تختلف عن العمل كمركز رسمي.
في الختام، يشكّل تأسيس مركز “قلم سوريا” خطوة تاريخية على المستوى الرمزي والعملي، فهو يعيد للكتابة السورية مكانتها كصوت حر ضمن المجتمع الثقافي الدولي، ويؤكد أن الكلمة والفكر جزء من معركة السوريين نحو الحرية، ويضع مسألة حرية الإبداع وحمايتها في صلب أولويات المركز، بحيث يكون نافذة لحماية الكاتبات والكتاب وإيصال أصواتهم للعالم، وأرضية لبناء مشهد ثقافي سوري جديد يقوم على الحرية والتعددية.
الكاتبة : هديل بلول
المصدر : موقع ألترا سوريا





